أتدرون ما التقــوى
إنها: العمل بالمأمور وترك المحظور.
إنها: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية.
إنها: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.
إنها: ترك الذنوب كبيرها وصغيرها.
خلّ الذنـــوب صغيرهــا *** وكبيرهــا ذاك التقــــى
واصنع كماش فوق أرض *** الشوك يحذر مـا يـــرى
إنها: أن يكون الله نصب عينيك.
ولن تحصل على التقوى إلا بأمور.. أمورٌ.. يتذكر بها الصالح، ويوعظ بها الغافل...، ويبصر بها الساهي اللاهي.. إنها:
أولاً: مراقبة الله في السر والعلن.
ثانياً: قصر الأمل في هذه الدنيا.
ثالثاً: غلبة العقل على الهوى والشهوة.
ثم اعلم رعاك الله أن ربك غفور رحيم، أرحم من الوالدة بولدها، وصفحه عظيم.. سبحانه من كريم.
يقبلُ العاصي...، ويتوبُ على من تابَ، ويؤمّنُ الخائف، ويستر الفضائح، يجود فما لبحر جوده من ساحل، ولا لرحمته سبحانه من مقدار.. قسم الرحمة مائة قسم فجعل قسماً في الأرض.. يتراحم به الناس وترفع الدابة حافرها عن ولدها وتحن الأم على رضيعها، وأبقى عنده تسعةً وتسعين قسماً.. ليوم عصيب.
وكلنا عبيد عند ربنا وسيدنا...، والعبد إن أمره سيده امتثل، والله يقول: " وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً "، ويقول: " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " .
وهو الذي ينزل كل ليلة في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا.. فيقول سبحانه: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟
عجل ما دام الباب مفتوحاً
إذن أخي.. فعجل... نعم.. عجل ما دام في الإمكان... قبل حلول ساعة لا تستطيع فيها التوبة إلى ربك.. قبل أن يكون حالك كمن إذا جاءه الموت + " لماذا؟ لماذا تريد العودة؟ ألُدورٍ تعمرها؟ أم لأولاد تطعمهم؟ أم لمال تتجر فيه؟ أم لجاه تفخر به؟
لا... لا والله " لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ".
ثم يعقب سبحانه قائلاً: " كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ".
ولنبك على خطايانا بدموع التوبة.. علّ الله جل وعز أن يغسل بدموعنا ذنوبنا، وأن يقبلنا في عداد التائبين، وأن يسجلنا في سجل الصالحين؛ فنكون من أهل الصلاح والسعادة، وأهل الحسنى وزيادة.
جمعني الله وإياكم في دار لا ككل الدور، في دار نعيمها لا ينفد وقرة العين فيها لا تنقطع.. «فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر». " فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى"، فيها " حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ"، وأيضاً " لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ "، وأيضاً " مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ".
سامحاً بالقليل من غير عذر *** ربما أنصف القليلُ وأجزى
حمانا الله وإياكم من دار حرّها شديد، وقعرها بعيد..
ومقامعها من حديد.. " عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ "، فيها " فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ"، فيها " يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ "، فيها لمن يحملون الأوزار والخطايا: " فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ "، فيها أخذ وغل و " سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً "، " وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً ".
حمانا الله وإياكم.. وأجارنا بمنه ورحمته..
أخي.. أختي.. وبعد هذا أقول لكم نعم.. لكل واحد على حدة:
ألا فاسلك إُلى المولى سبيلا*** ولا تطلبْ سوى التقوى دليلا
وسر فيها بجد وانتهاض*** تجد فيها المنى عرضاً وطولا
ولا تركن إلى الدنيا وعوّل*** على مولاك واجعله وكيلا
ولا تفني شبابك واغتنمه *** ومثلّ بين عينيك الرحيلا
ولنحرص جميعاً على الإنابة والإخبات لله جلَّ شأنهُ.. والتوبة والعودة إليه سبحانه، ولا نكون كمن قال فيه الأول:
أشبهُ من يتوب على حرام *** كبيض فاسد تحت الحمام
يطول عناؤه في غير شغـل *** وآخره يقــوم بــلا تمــام
إذا كان المُقام علــى حرام *** فـلا معنى لتطويل القيـام
جمعني الله وإياكم في جنته في بحبوحة فضله ومنته, والله تعالى يحفظكم ويرعاكم
وأخيــــــــــــراً :
فغيرُ تقيٍ يأمرُ الناس بالتقى *** طبيب يداوى الناس وهو سقيم
وإلى لقاء قريب والله تعالى أعلى وأعلم ونسبة العلم إليه اسلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم